15 أكتوبر وحركة الشباب العالمية
سانتيجو كارريون
(كاتب وناشط سياسي شارك في حركة شباب اسبانيا وأحد دعاة " احتلوا الساحة" ومشارك في مجموعات عمل الثورة الأوربية)
غداً سيكون ذروة حركة الاحتجاج العالمية، حيث يتجمع المحتجون في يوم واحد للعمل في جميع أنحاء العالم. فما أصل هذه الحركة ؟ وأين مركزها؟
في 17 سبتمبر الماضي شهد العالم كله الخطوة الأولي لحركة احتجاج عالمية جديدة في عصرنا. وإن كان هذا التاريخ وضعته في البداية حركة "احتلوا وول ستريت" (والتي أصبحت الآن ظاهرة علي الصعيد الوطني الأمريكي)، لكن بجانب هذا فقد تم إطلاق حملة دولية من الاحتجاجات أمام البنوك وسوق الأوراق المالية تحت شعار "يوم مناهضة البنوك" . ولأول مرة: صعود حركات المجتمع المدني العالمي اعتمادا علي تجمعات ديمقراطية، تتمحور حول شبكة متنامية من الناشطين، وأيضاً اختبار مقدرتها علي حشد الناس من جميع أنحاء العالم وليس في إطار وطني. لقد تم خلق مهام عمل لوضع استراتيجيات إعلامية، سواء عبر الانترنت أو خارجه، واعتمدوا علي إنشاء بث حي عبر الانترنت من أجل تنسيق عالمي لبث المعلومات. وبالتالي فكان يوم 17 سبتمبر بمثابة الاختبار الأولي للتحضير العمل الرئيسي يوم 15 أكتوبر.
ربما يعترض أحد ويقول أن هذا قد حدث بالفعل من قبل، علي سبيل المثال، المظاهرات الحاشدة التي اندلعت في جميع أنحاء العالم ضد غزو العراق في 2003 . وفقاً لبعض التقديرات خرج ما يقرب من عشرة ملايين شخص في أكثر من ستين بلدا علي مدى بضعة أشهر. لقد كان توجه هؤلاء نحو هدف واضح: وضع حد للظلم الفادح الذي يرتكب ضد الشعب العراقي والأفغانستاني، الظلم الأكثر وضوحاً من وجهة نظرنا في الوقت الحالي. يأتي يوم 15 أكتوبر ويضع ملايين المطالب الفردية والاقتراحات وربما خروج الناس في مسيرات، أما الشعار المركزي فهو "لنتحد من أجل تغيير العالم"، بهدف إظهار المجتمع المدني العالمي أكثر وعياً بقوته عن أي وقت مضى، من أجل استعادة حقوقه في قيادة النظام الذي بدأ الانهيار من أعلى. ومن أجل تأكيد "التفكير العالمي والفعل المحلي"، ووفقاً لمعظم المصادر فإنه ستكون هناك مظاهرات متواقتة واعتصامات في أكثر من 80 دولة، وأكثر من 900 مدينة، وبالطبع سيكون لكل اعتصام موضوعه الخاص، سواء كانت عملية خصخصة الجامعات في تشيلي، واستمرار مشاريع الطاقة النووية في اليابان بعد وقوع الكارثة في فوكوشيما، أو جشع الشركات في الولايات المتحدة، والفساد علي نطاق واسع وتدمير دولة الرفاهية في اليونان، واسبانيا والمملكة المتحدة، أو إزالة الغابات في منطقة الأمازون في البرازيل.
علي الرغم من الاختلافات بين كل هذه القضايا إلا إنها تعبر عن رد فعل ضد نفس العملية والتي تتجسد بشكل عام في الاستحواذ علي المجال السياسي في جميع أنحاء العالم، عبر إلغاء الضوابط علي الممارسات المالية وكذلك نموذج إدارة الدولة علي أساس منطق السوق. هذه هي العناصر الأساسية لسوق المال منذ التسعينيات، حيث هيمنت أفكار وتطبيقات اقتصاد الليبرالية الجديدة عبر قادة العالم، برغم اختلاف توجهاتهم السياسية التقليدية. وفي نفس الوقت يستيقظ الناس في جميع أنحاء العالم علي حقيقية أنه لا يوجد آلية للرقابة الديمقراطية علي هذه المؤسسات الخاصة منها والعامة. الشخصيات السياسية الذين جري إفسادهم عبر المصالح الخاصة وتمويل الحملات الانتخابية والضغوط القوية التي تمارسها مؤسسات غير ديمقراطية مثل صندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الأوربي، كما هو واضح في حالة اليونان.
لقد حدث الانهيار المالي العالمي في 2008 كنتيجة طبيعية لهذه العملية. وقد تسبب ذلك في الإعلان عن أن القطاع المصرفي صار خارج نطاق السيطرة، مما كلف ملايين الناس ضياع مدخراتهم واضمحلال نوعية حياتهم، وفي الوقت الذي ينفق القطاع المصرفي مكافآت مالية للنخبة فيه تصل لمليون دولار لم تقع أي عقوبة علي أي شخص من المصرفيين الفاسدين في الولايات المتحدة، بينما تجري مواجهة الآلاف من المحتجين بقنابل الغاز والهراوات. هذا ليس كل شيء، فيما تطالب الأسواق الأوربية المواطنين بالتعامل بعقلانية مع هذه المسألة. باعتبارهم يفهمون تكلفة الخصخصة، أما في المستقبل القريب فستزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ليس في إطار عالمي فحسب، بل أيضا داخل الدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا. لقد سقط الناس في هذه الفجوة، حيث يجبرون علي العمل بعقود مؤقتة أو وظائف يتقاضون عنها أجوراً متدنية لا تفي بالحاجات الأساسية. هذه ليست سوى أمثلة قليلة لتفسير حالة السخط عند الناس. وهناك أمثلة لا حصر لها: التقشف في مقابل الملايين التي أنفقت علي الحروب، تدمير البيئة الذي خرج عن نطاق السيطرة وما أنتجه من مجاعات كان من الممكن تجنبها، ..، ..، مرة أخرى هذه أمثلة قليلة لحالة عامة.
هذه الأمثلة توضح أن مجتمعنا العالمي مترابط جدا، فلم تعد التناقضات وانعدام المساواة في النظام الرأسمالي قادرة علي التخفي، وبالنظر إلي السياق الفعلي، مثل موضوع تسريبات ويكليكس والعنف القانوني الذي مارسته الحكومة الأمريكية تجاه المشتبه فيه وراء هذه التسريبات نجد صورة من صور خوف الحكومات من الحقيقة، إنهم يخشون الشفافية لأن الفساد علي نطاق واسع، ويعرفون أن عقاباً سوف يقع عليهم لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية، الناس تريد وضع حد لكل هذا.
لذلك فالمواطنين يعرفون ما تفعله حكوماتهم في الخفاء، ويعلمون من يستحق السجن، ويعلمون أيضا كيف يمكنهم إدارة النظام ولم تعد هذه الحقائق بحاجة إلي شرح بالنسبة للمواطنين. والأسوأ من ذلك هو رد فعل معظم البلدان علي المعارضة فقد مارست هذه البلدان اعتداءات منهجية علي المواطنين الذين عبروا عن استيائهم، وتتكرر نفس الصور في جميع أنحاء العالم: من قتل للمتظاهرين العزل كما يحدث في تونس ومصر، التعرض للضرب المبرح في اسبانيا، والغاز المسيل للدموع في اليونان، اعتقالات علي نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية. هناك عدد لا يحصى من الأسباب المعقدة بحيث لا يمكن التعبير عنها إلا من خلال تلخيص مشاعر مثل "السخط" هذا هو ما يقف وراء احتجاج 15 أكتوبر. لكن ما سيحدث بعد ذلك هو المهم بالفعل، فمن السهل استدعاء المشاعر للحشد في المظاهرات، لكن العثور علي إجابات من خلال سياسات ملموسة وتغيير المؤسسات، أو بعبارة أخرى ليست القضية في خروج الناس يوم 15 أكتوبر بل ما سيتم العمل عليه خلال الأسابيع والأشهر التالية، علي سبيل المثال الاحتجاجات المناهضة لغزو العراق في 2003 لم تخدم الغرض منها فقد واصل زعماء العالم الدفع بالحرب بل مازالت الجيوش في العراق وأفغانستان حتى عام 2011، وهو ما دفع العديد للنظر تجاه هذا الشكل من الاحتجاج باعتباره منتهياً وغير صالح لأي دور مرة أخري، لكن الأشهر القليلة الماضية أوضحت عكس ذلك.
المطلوب تغييراً عميقاً وربما ينظر إليه البعض بوصفه طوباوية. التجمعات والمظاهرات خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح عندما تتوجه لخلق محاور مركزية للعمل، وخلق تصورات جديدة وزيادة مهارات العمل الجماعي، وأيضا تحدي السلطات الحاكمة والوقوف أمامها وجهاً لوجه، كما أنها وسيلة للتنظيم الشعبي بغرض وضع المقترحات والاستراتيجيات ولفرض الشرعية الشعبية التي تقرر كيف نضع حداً للوضع القائم، علي سبيل المثال يقترح الكثيرون تأميم المصارف، فكيف يمكننا فعل ذلك، وبأي طريقة سوف تجري إدارة هذه المصارف، كيف نحقق النظرية علي أرض الواقع .... هذه الآلية في العمل الشعبي تخلق ثراء في إيجاد وخلق بدائل متنوعة فمثلا خلق نظم مصرفية يتولاها الأفراد، هل يمكن لشبكة الانترنت بكل متاحاتها المعرفية أن تكون بديلاً ممكناً لخصخصة الجامعات، و بديلاً إعلامياً يتيح للمواطن العادي التعبير عن اعتراضه وطعنه علي أي قرار، خلق أحزاب سياسية دولية، ربما تهدف إلي خلق نظام جديد تماما، والانصهار في منظومةعالمية واحدة، قد ينظر البعض إلي مثل هذه الأفكار بخوف، ولكن من يدري ؟ في يوم 15 أكتوبر ستكون هناك مظاهرات حاشدة وسوف تتسبب بلا شك في التأثير علي قادة العالم، وقد تكون الأشهر التالية حاسمة وربما تكون هي الأهم حتى الآن.
إعداد وترجمة

