�������

  اليسار الغربي: الثورات العربية حليف طبيعي في الكفاح ضد الرأسمالية الاحتكارية



يبدو القصور في إدراك الثورات العربية بوصفها مجرد حركات تمرد علي الطغاة المحليين، وليست ضد برنامج الليبرالية الجديدة العالمية الذي ينفذ بحيوية كبيرة في بلادهم،  إنما هو نتاج لاتخاذنا نحن اليسار الغربي من غير قصد موقف المستشرقين حيث سمحنا "لصدام الحضارات " العنصري ليشكل تصوراتنا عن الشرق الأوسط. لقد فشلنا في رؤية شعوب المنطقة كحلفاء طبيعيون في الكفاح المشترك..

   ويشرح "باترك بوند"  الهجمات الاقتصادية ضد الديمقراطية العربية الناشئة،حيث " ظلت الحكومة الانتقالية الحالية ملتزمة بطريق السوق المفتوحة والتي سوف تتابعها مصر بمعدل سريع بعد الانتخابات المقبلة".
        فمع التدهور العالمي منذ الأزمة المالية في 2008، فأن الانتفاضات الشعبية في كل العالم  تشير إلي تزايد المقاومة في العقود الماضية لعولمة الليبرالية الجديدة، فمن الاحتجاجات الطلابية في تشلي، وأعمال الشغب في لندن، من المهم أن نري هذه الانتفاضات بوصفها مقاومة ضد فشل النظام الاقتصادي لتوليد الثروة للجميع. حتى بالنسبة للمعلقين المحافظين فإنهم يعترفون بأن إجراءات الخصخصة والدفع بعملية الليبرالية منذ الثمانيات فشلت في توليد  ما وعدت به  من ثروة للجميع"  هناك الكثير من الفقراء، فقراء جدا وتزيد نسبة الفقر كلما توغلنا في الدول ذات الدخل المتوسط حسب ما تعترف به مؤشرات البنك الدولي 2008.
       لقد تم تسريع العولمة لليبرالية الجديدة والنمو الاقتصادي والاستثمار الأجنبي المباشر. لكن رأس المال يتركز والفجوة في الدخل في الاقتصاد العالمي هائلة ومتزايدة كنتيجة لسوق الحر. وبالتالي لا ينبغي علينا الكلام حول النمو لكن حول إعادة التوزيع. سوف تنظر هذه المقالة للصورة العالمية مع التركيز علي الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط. وتناقش أن ما يحدث هنا، هو أيضا، أو بالأخص، يحدث هناك. يعني أن استجابات الحكومات لعدم المساواة والأزمة المالية مع الاستمرار في الخصخصة والتوزيع غير العادل للثروة، لقد آن الأوان للإجابة علي عدوانية الأجندة العالمية، بإجابة عالمية. نحن نحتاج لطرق تربط كفاحنا، لنظهر تضامننا مع ثورات الشرق الأوسط، وننتقد ما تقوم به حكومتنا حالياً لتدمير هذه الثورات. وبعبارة أخري: لقد حان الوقت للعودة إلي الحلول التي تم تقديمها من قبل تجاه قضية التفاوت العالمي: طبقة عالمية جديدة متضامنة.

مجيء الحرب الطبقية العالمية. ولكن من أين تأتي؟
      نشرت مجلة فوربس  في 15 أغسطس 2011 قصة بعنوان " أعمال شغب في المملكة المتحدة ومجيء الحرب الطبقية العالمية" فعلا؟ مجلة فوربس التي هي علامة " أداة الرأسمالية"  والتي علي قائمة محبيها أغنياء أمريكا والمليارديرات  في العالم ، كتب هذه المقالة "جويل كوتكا" حيث يشير إلي أن أعمال الشغب في المملكة المتحدة كانت أكثير بكثير من العنف الذي تمارسه الشرطة العنصرية، لكنها تشير كذلك إلي إخفاق النظام الاقتصادي ولاسيما بالنسبة للشباب الصغير تحديداً، ويعتقد "كوتكا "بأهمية معاقبة أعمال الشغب، لكنه يعتقد أيضا أن هذا لا يحل مشكلة البطالة و"العمل بلا قيمة" هو يوحي بدولة الرفاهية، بعبارة أخري الحل الكينزي لأزمة الرأسمالية،  ولا يتكلم عن "تقليص فرص التقدم الاجتماعي " وعن توقع الصورة المظلمة لاندلاع عنف الشوارع في أزمة الدول الأوربية مثل اليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال، وحتى فرنسا. لقد فشلت الرأسمالية في توليد الثروة للجميع، ويمكن أن نتوقع حرب طبقية عالمية كما يذهب المؤلف.
نفس الملاحظات من نشطاء اليسار أو الصحفيين التقدميين : فقد علق العديد منهم علي أن اندلاع العنف في المملكة المتحدة لا يزال بعيداً عن التقدمية، لآن مثيري الشغب حرقوا المنازل في الأحياء الفقيرة وسرقوا  أي فون  بدلا من تحطيم البنوك ومراكز الشرطة. علي الرغم من هذه التعليقات فإن هؤلاء يعتقدون أن المسئول عن ذلك هو الافتقار لطرق تعبير السياسي ملائم علاوة علي فشل اليسار السياسي في تقديم أي حركة ممكنة أو قيادة يمكن لها أن تعارض سياسات الليبرالية الجديدة.
ويحث الناشط كوليا،.........،  الحركات الشعبية لصياغة بدائل سياسية واقتصادية عالمية وهكذا يتم توجيه الغضب والفقر والحرمان الذي خلقته الرأسمالية إلي تغيير تدريجي.   
  وعلي الرغم من شرعية هذه الملاحظات حول الطابع العالمي لأعمال الشغب، والحاجة لبدائل سياسية حقيقية، تظل هناك بقعة عمياء في تلك الملاحظات بخصوص الثورات العربية علي الرغم من توقع حرب طبقية عالمية،  فتتجاهل مقالة "فوربس " أي إشارة إلي الاضطرابات في الشرق الأوسط، وتركز فقط علي أوربا والولايات المتحدة باستثناء الإشارة الموجزة إلي الصين.  هذا أمر غريب بالنظر إلي أعمال الشغب التي استمرت في الأسبوع الماضي في المملكة المتحدة. في حين أن الثورات في مصر وتونس وليبيا وسوريا والبحرين واليمن مستمرة منذ عام تقريبا وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى، فضلا عن تدخل حلف الناتو العسكري، الأمر الذي أدي في الوقت الراهن  إلي تغيير النظام في ليبيا علي النمط الغربي "بينما لم يتم دفن القتلى حتى الآن " حيث المسألة الأهم هي الاندفاع المجنون لجني أرباح النفط الليبي"
الربيع العربي: ثورة سياسية واقتصادية
  "أهم أسباب الاضطرابات في مصر هي العوامل الاقتصادية: ارتفاع تكلفة الحياة، الفقر، البطالة، يأس الشباب المتعلم. وحتى لا نقع في أخطاء. فالأسباب الكامنة والأكثر عمقا يمكن تلخصيها في كلمة واحدة: "فلسطين". .
من أجل إيجاد أرضية مشتركة بين الحركات الأوربية ضد الخصخصة و التخفيضات المزمعة ونضال العالم العربي، أول شيء نحتاجه هو تفكيكك التقارير الإعلامية الغربية عن تغطية الأحداث الجارية. .
حينما تقرأ الصحف الغربية يبدو الموضوع أنها تؤكد علي أمرين: أولا أن الثورات العربية لحد كبير مهمومة بالحريات المدنية والسياسية بسب الديكتاتورية، الأمر الثاني أن الولايات المتحدة والأوربيين يدعمون الثورات العربية لأنهم يدعمون الديمقراطية. في الواقع هذا بعيد عن الحقيقة: الربيع العربي هو رد فعل تجاه الواقع الاقتصادي والسياسي الناجم عن ديكتاتورية نفذت سياسات الليبرالية الجديدة (الغربية) في الخصخصة وتحرير الأسواق. والمؤكد أن الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة أثرت في إطلاق الثورات  العربية.     
وثانيا: فلقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا للقادة الديكتاتورين طوال العقود الماضية عبر المساعدات الخارجية والتجارة وفي الوقت الحالي تحاول بكل قوتها الحفاظ علي النظام الاقتصادي ( والنخب المحلية) عبر فرض شروط القروض في الخصخصة وتحرير الأسواق علي الحكومات الانتقالية في مصر وتونس، حتى قبل إجراء انتخابات ديمقراطية، الجدير بالذكر أن المملكة المتحدة وفرنسا وايطاليا وألمانيا شنوا حربا علي ليبيا مع الولايات المتحدة لأنهم بالتأكيد سيربحون عسكريا وصفقات النفط التي تستمر في ظل النظام الجديد. ثالثا الثورات العربية هي أيضا احتجاجات ضد إسرائيل والسياسات الأمريكية ضد فلسطين، وضد نظام الشرق الأوسط الذي تدعمه أمريكيا (مثل مبارك في مصر).
استكشاف المجهول
         لا يزال الشرق الأوسط أرضاً غير معروفة للنشطاء الغربيين وقد انعكس هذا في تدني مستوي الانشغال بهذه المنطقة حتى بعد الثورات. خاصة حينما نلاحظ تكرار كلام نشطاء اليسار الأوربي عن أمريكا اللاتينية خلال انتفاضة زاباتاستا واحتلال العمال المصانع في الأرجنتين، من الجدير بالذكر أنه لم يكن مستوي تضامنهم السياسي علي نفس المستوي في العام الماضي في الشرق الأوسط. ونحن تأثرنا بقوة بهذه الدعاية القاسية حول الصدام بين الحضارات، والمفاهيم الاستشراقية للثقافة العربية والتهديد الرهيب من الأصولية الإسلامية. ونتيجة لذلك، فأننا نسيء تفسير الثورات التي تحدث الآن، ونضيع فرص الاتصال بها.
في نقد ممتاز للهجمات الاقتصادية الحالية علي الديمقراطية العربية ( فرض التكيف الهيكلي لليبرالية الجديدة في تونس ومصر وليبيا وفلسطين من قبل المؤسسات المالية)  يذكرنا "باتريك بوند " أن مقاومة الإصلاحات الليبرالية الجديدة للأسواق لديها تاريخ طويل في مصر، وقد لعبت دورا مركزياً في الثورة الحالية في مصر. في عام 1977 شهدت مصر انتفاضة الخبز نتيجة تحرير الاقتصاد الذي بدأه السادات؛  في التسعينيات  قاد البنك الدولي برامج التكيف الهيكلي الذي أدي إلي خصخصة كثير من مصانع النسيج في مصر، وخفض القوي العاملة من نصف مليون إلي ربع مليون، ومن جانب أخر انخفضت الأجور، وارتفعت تكلفة الحياة في مصر، وقد أثر النضال العمالي علي الحركة السياسية اليوم أيضا " علي الرغم من كون التغطية الإعلامية الغربية لا تفصح، فإن كفاحاً طويلاً وشجاعاً خاضه هؤلاء العمال خاصة إضراب عمال النسيج في المحلة الكبرى، ومن قبل ممارسات بعض نشطاء المصريين والتي مثلت خطوة حاسمة علي طريق الشعب المصري تجاه الثورة "  إن هذا العمى هو ما يجعل الثورات تبدو كانفجار لحظي مثل مفاتيح المصباح وليس كأحداث في سلسلة متواصلة"
ويناقش "محمد رضا " _باحث إيراني_ الوضع في الشرق الأوسط مقارنة مع ثورة روسيا في 1917، والتي قال عنها لينين أنها قامت "بسبب تناقضات الرأسمالية" ، وبالتالي صارت روسيا "الحلقة الأضعف في  السلسلة الامبريالية"..  إذا كان ذلك حقيقياً فإن الثورة العربية تمثل فصلاً مهماً من التاريخ العالمي وأن نجاحها  وتضامننا معها قد يحدد مستقبل الرأسمالية وما هو أبعد من المنطقة نفسها.
التزام المنطقة العربية بالقروض المصرفية الغربية وسياسات صندوق النقد الدولي
تمثل المنطقة العربية في الوقت الراهن " الحلقة الأضعف في سلسلة الامبريالية" لذلك فإن قوة الامبريالية توجه جهدها لكسب السيطرة علي المنطقة في مصر، فلسطين، الأردن، سوريا، لبنان، تونس، اليمن والمغرب ، حيث يفرض صندوق النقد الدولي سياسات الخصخصة في مصر وتونس وليبيا وفلسطين خلال العقود الماضية عبر شروط القروض وبالتعاون الوثيق مع الديكتاتوريين الذين يدعون الآن كرهم لهم.  ولقد ادعي تقرير البنك الدولي 2010 نجاح السياسات التي تسببت في الإفقار وقادت إلي الثورة الحالية.    
يعرض "آدم هنية "، من كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، كيفية استمرار فرض هذه السياسات الآن بعد الثورة، فيثير برامج التكيف الهيكلي، حيث تستجدي السلطات في مصر وتونس من أجل المال وتوافق علي أي شروط للحصول عليه.  
  ولقد أعلن القادة الثمانية في اجتماعهم في مايو إن بنوك التنمية متعددة الأطراف توفر ما يصل إلي عشرين مليار دولار لمصر وتونس، "لدعم جهود الإصلاح المناسبة" وبالطبع سوف توجه هذه الأموال مضمون هذه الإصلاحات إلي " تقييمات البنك الدولي" (علي الرغم من الأخطاء الصارخة في التقييم الايجابي للإصلاحات الليبرالية الجديدة في العام الماضي ).  يعطي المصرف الدور الرئيسي من قبل الدول الثمانية مع الإشارة إلي للبنك الذي كان  " أداة فريدة للمساعدة في تحويل اقتصاديات دول وسط وشرق أوربا التي تعمل بنفس الديناميكية، مع التركيز علي المبادرات والمشاريع الخاصة".      
وتشجع الدول الثمانية علي توقيع اتفاقيات التجارة الحرة والتي تسعي من أجلها الآن كل من أمريكا واليابان وروسيا في المنطقة، تعد بنفس الدواء المدمر لتخريب الاقتصاد المحلي في المنطقة قبل عقود، مع خبرة الصندوق الدولي وإصلاحات الليبرالية الجديدة، هذه القروض الجديدة وشروطها سوف يكون لها نتائج مدمرة علي الشعب المصري والتونسي، في حين تستفيد البنوك الغربية والنخب المحلية.
 جزء من نفس النضال
الاستنتاج واضح: علينا أن نتوقع تعاون النخب المحلية القديمة مع البنك العالمي وصندوق البنك الدولي " لتظل الشعوب في مكانها" وهكذا " يتم سلب كثير من معاني هذه الثورات، بل ويجري ضرب   الربيع العربي الأوسع " لكن دفع الامبريالية العالم العربي للحاجة تجعله معارضاً لمراكز الامبريالية وأوربا واحدة منهم.  بالإضافة إلي ذلك هؤلاء الذين يعانون من التقشف في هولندا وفي المملكة المتحدة وفي اليونان وألمانيا واسبانيا وايطاليا سوف يسعون إلي الاتصال بـ"حلفاء طبيعيين في النضال المشترك" في العالم العربي. حيث بدأ الاتصال بتجمعات المهاجرين العرب  الذين يعيشون في أوروبا ، حيث يضعون استراتيجيات مشتركة لمقاومة الخصخصة وتحرير التجارة هنا وهناك.  
اعداد وترجمة،المصدر: